زئبقية قرار إنشاء "المجلس الاقتصادي التنموي" بتعز.. واجهة استشارية بمهام تنفيذية وعوار قانوني مكتمل الأركان
الاربعاء 31 ديسمبر 2025 - الساعة 08:37 مساءً
لقد كان القرار الصادر من محافظ محافظة تعز نموذجاً دقيقاً لما يمكن أن تسميته في فقه القانون "القرار الزئبقي"؛ فهو يدّعي الاستشارة في ديباجته، ويمارس السلطة التنفيذية في مواده، ويفتح الباب لخصخصة القرار العام في غاياته.
فمع بزوغ العام 2026م صدر القرار الأخير عن محافظ محافظة تعز بشأن إنشاء "المجلس الاقتصادي التنموي المحلي" الذي بالتأكيد سيثير لغطاً قانونياً وتنموياً واسعاً في قادم الايام بعدما تتكشف الغايات المضمرة منه. فبالنظر إلى فحوى القرار ومواده، نجد أننا أمام وثيقة تعاني من "انفصام قانوني" بين المسمى (استشاري) والجوهر (جلب تمويلات وإدارة مشاريع)، مما يجعله عرضة للطعن وفاقداً لشرعية الأركان الإدارية السليمة.
أولاً: التناقض الصارخ بين "الصفة" و "الاختصاص"
نصت المادة (1) من القرار على أن المجلس "هيئة استشارية"، لكن المادة (2) منحت هذا المجلس صلاحيات تنفيذية وتخطيطية واضحة، مثل:
حشد التمويلات للمشاريع.
تأسيس مشاريع قائمة على الشراكة.
إعداد مقترحات المشاريع ذات الأولوية.
قانونياً: الهيئة الاستشارية لا تملك سلطة "التأسيس" أو "الحشد المالي"، لأن هذه المهام من اختصاص المكاتب التنفيذية والمجلس المحلي المنتخب وفقاً لقانون السلطة المحلية. هذا الخلط يجعل "محل القرار" (الموضوع) معيباً لعدم اتساقه مع الغاية المعلنة.
ثانياً: عوار "ركن السبب" وانحراف السلطة
يُفترض في القرار الإداري أن يكون دافعه "المصلحة العامة". إلا أن صياغة المهام في المادة (2) توحي بأن الهدف الحقيقي ليس تقديم المشورة الفنية، بل خلق "قناة موازية" لجلب أموال المانحين والمنظمات الدولية وصبها في مسارات تخدم "رأس المال" والشركات الخاصة تحت غطاء رسمي.
تساؤل مشروع: لماذا يتم إنشاء كيان جديد لحشد التمويلات بينما توجد مكاتب مثل (التخطيط، والتعاون الدولي..) والتي يحدد القانون مهامها بوضوح؟.
ثانياً: ركن الاختصاص.. تجاوز الصلاحيات القانونية
لقد استند القرار إلى قانون السلطة المحلية لعام 2000، لكن هذا القانون لم يمنح "المحافظ" صلاحية إنشاء مجالس بديلة أو موازية للمجالس المحلية المنتخبة بصلاحيات تقريرية أو مالية. إن إعطاء "عضوية مفتوحة لراس المال والمجتمع المدني" (كما جاء في المادة 8 و9) للمشاركة في رسم سياسات المحافظة الاقتصادية هو "تجيير" للوظيفة العامة لصالح فئة محدودة، مما يعد انحرافاً بالسلطة .
ثالثاً: غياب الوضوح في ركن "الشكل والإجراءات"
القرار أحال في المادة (8) و(10) تفاصيل العضوية واللائحة الداخلية إلى وقت لاحق.
العيب: كيف يصدر قرار بإنشاء كيان "قانوني" دون تحديد هوية أعضائه أو معايير اختيارهم؟ هذا يجعل القرار "هلامياً" ويفتح الباب للمحسوبية وتغلغل أصحاب النفوذ المالي في مفاصل القرار التنموي للمحافظة.
الخلاصة: القرار قرار "جباية" بعباءة "تنمية".
إن هذا القرار يفتقر إلى "المشروعية" لأنه :
يتجاوز ركن المحل: كونه ينشئ جسماً إدارياً غامض الطبيعة (هجين بين الاستشاري والتنفيذي).
يخالف الغاية : فالمؤشرات تدل على أن القصد هو شرعنة وصول رأس المال إلى خزائن المعونات والمنظمات عبر بوابة "المجلس الاستشاري".
يحدث أثراً قانونياً مشوهاً : عبر تهميش دور المؤسسات الرقابية الرسمية لصالح لجان فرعية متخصصة تُشكل لاحقاً وفق أهواء غير معلنة.
ختاماً: إن حماية المال العام وحقوق أبناء تعز تتطلب الالتزام بروح القانون لا الالتفاف عليه بكيانات "موازية" تشرعن الاستحواذ تحت مسميات براقة .
ولو أن هناك محكمة ادارية متخصصة في تعز لتقدمنا بدعوى ادارية بإلغائه لكن الجميع يعلم حال القضاء الاداري ضمن المحاكم العامة














